التوحّد هو اضطرابٌ عصبي تطوّري معقّد يتمّ تشخيصه في مرحلة الطفولة غالبًا قبل عمر 3 سنوات. الأشخاص المصابون بالتوحّد يكونون غير قادرين على التفاعل مع الوسط الموجودين فيه و فهمه. البعض لا يفسّر التوحّد على أنّه مرضٌ أو اعاقة بل كونه شكلٌ آخر من أشكال معالجة البيانات في الدماغ ورؤية العالم من منظورٍ آخر. والمرض قابلٌ للتشخيص أيضًا في وقت لاحق وخاصةً لدى دخول الطفل إلى المدرسة وتغيّر الجو الاجتماعي المحيط بالطفل من جو الأسرة إلى جو الأطفال الآخرين، وهذا ما قد يلاحظه المعلّمون أو المربّون. هناك عدّة أمورٍ قد تشير إلى وجود خللٍ في السلوك الاجتماعي للطفل في المدرسة قد تدفع المعلّمين أو الأهل إلى طلب الاستشارة والتشخيص الطبي كالنفور من أماكن الّلعب وأفنية المدرسة حيث يتواجد التلاميذ الآخرون، كذلك تجنب التجمعات كالتي في مطعم المدرسة مثلًا، كما أنّ الامتناع عن ارتداء ملابس أو أقمشة معيّنة قد يكون أيضًا سمةً بارزة. إن عدد حالات التوحّد المشخّصة سنويًا يزداد باضطراب في العالم وقد يعود هذا إلى أحد أمرين: إمّا الازدياد الفعلي لأعداد الحالات المصابة أو إلى تطوّر وسائل التشخيص والعلاج وتطوّر الثقافة الصحية أو إلى كلي الأمرين معا.
وبالنسبة للعوامل المسبّبة وعوامل الخطورة للتوحّد فإنّ هنالك عدّة أسبابٍ قد تكون بالفعل مسؤولة. وهي:
*عوامل بيولوجية وراثية: قد تلعب الوراثة دورًا كبيرًا في التوحّد حيث اكتشف العلماء جيناتٍ قد تكون مسبّبًا مباشرًا للتوحّد، وجيناتٍ أخرى قد تؤثّر على تطوّر الدّماغ وارتباط الخلايا العصبية بعضها ببعض وهو ما يؤدّي إلى مشاكل عصبية قد تتطوّر إلى الذاتوية (التوحّد).
*عوامل بيئية: تلعب البيئة دورًا في الاصابة بالتوحّد وقد يكون لتفاعل العوامل البيئية والعوامل الوراثية الدور الأهم المؤدّي للمرض. وما يشير إلى دور هذه العوامل البيئية هو وجود حالات توحّد يتمّ تشخيصها في مراحل لاحقة بعد الولادة، وقد تطول لسنين حيث يبدأ الشخص بالانعزال والانطواء على ذاته كما يبدأ تدريجيًا بفقدان المهارات التي تعلّمها.
هناك أسبابٌ وعوامل أخرى كالمشاكل أثناء الولادة واضطراباتٍ في الجهاز المناعي وبعض المواد الكيميائية المحتواة في بعض العقاقير واللقاحات. وتجري حاليًا دراساتٌ لمعرفة ذلك وتأكيده. وعوامل أخرى كجنس الطفل حيث أنّ الذكور أكثر عرضة للإصابة 3-4 أضعاف الإناث، كما أنّ للتاريخ العائلي دورٌ مهمٌّ أيضًا حيث أنّ وجود طفلٍ مصابٍ بالتوحّد يؤهّب لإنجاب طفلٍ آخر يعاني من نفس المشكلة. وهناك بعض المشاكل والأمراض التي تؤثّر على المورثات وبالتالي تؤهّب أيضًا للإصابة بالتوحّد.
ويلعب سنّ الأب دورًا حيث رأى باحثون أنّ الأطفال المولودين لآباء تزيد أعمارهم عن 40 عاما هم أكثر عرضةً للإصابة بالتوحّد بحوالي 6 أضعاف من أولئك المولودين لآباء تحت سنّ 30 عاما.
العلامات المميزة لمريض التوحد
يفقد الطفل المصاب بالتوحّد مهاراتٍ عّدة سواءً على المستوى الشخصي جسديًا ونفسيًا أو على المستوى الاجتماعي المحيد منها:
*مهارات اجتماعية: حيث أنّ الطفل المصاب بالتوحّد لا يستجيب لمناداة اسمه ولا يكثر من الاتصال البصريّ المباشر. ويلاحظ أنّ طفل التوحّد دائمًا ما يكون منكمشًا على نفسه ويفضّل الانعزال ويبدو أنّه لا يقدّر مشاعر الآخرين.
*مهارات لغوية: يتأخّر طفل التوحّد في الكلام كما أنّه يتحدّث بصوتٍ غريبٍ وبنبراتٍ مختلفة، ويكرّر كلماتٍ أو مصطلحاتٍ لا يُعرَف معناها.
*مهارات سلوكية: كالقيام بحركاتٍ معيّنة مثل الهزاز والدوران في دوائر والتلويح باليدين، والذهول والانبهار من بعض الأشياء أو أجزاء معينة من الألعاب. كما أنّ طفل التوحّد شديد الحساسية للضّوء والصّوت والّلمس بشكلٍ مبالغٍ فيه.
تشخيص التوحد
إنّ تشخيص التوحّد ليس بالأمر السّهل ويتطلّب قدراتٍ خاصّة كما أنّ التشخيص يعتمد على عدّة عوامل منها فحوصاتٌ واختباراتٌ لتقييم قدرات الطفل وفحص حالته النفسية، كما يتضمّن التشخيص إجراء محادثاتٍ مع الأهل للتعرّفعلى سلوك الطفل اليومي والتغيّرات الاجتماعية والسلوكية لديه. بالتالي، يتطلّب وضع التشخيص شخصًا مؤهّلًا لذلك حتى يكون قادرًا على استبعاد التشخيصات الأخرى التي قد تختلط أعراضها مع أعراض التوحّد. يمكن لطبيب الأطفال، الطبيب النفسي، أو المعالج النفسي أن يضع التشخيص حيث يتطلب الأمر أشخاصًا متعمّقين في تشخيص مرض التوحّد.
علاج التوحد
بالنسبة للعلاج فإنّه لا يوجد حتى يومنا هذا علاجٌ شافٍ للتوحّد نظرًا لتعقيد المرض. ولكن، هناك عدّة طرائق يمكن سلوكها سواءً من قبل المعالج أو من قبل الأهل، وبالتالي من شأنها التحسين منها:
*العلاج السلوكي وعلاج مشاكل النطق واللغة: من خلال معالجٍ مختصّ من خلال عدّة جلساتٍ يتمّ فيها تطبيق وسائل مخصّصة من شأنِها اعادة أو بناء القدرة اللغوية لدى المريض.
*العلاج التربوي التعليمي: من خلال نظامٍ تربويٍّ تعليميٍّ متخصّص، يستهدف نقاط الضّعف لدى المريض ويعمل على تحسين قدرة الربط المنطقي للأشياء لديه.
*العلاج الدوائي: وهو ما يتمّ وصفه من قبل الطبيب المختصّ ويناسب حالة الطفل المريض.
المصدر: هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدقيق لغوي: هاجر.ب