بسببِ غيابِ مسمارٍ فُقِدت الحَدْوَة،
بسبب غيابِ الحَدْوَة فُقِد الجَوادُ،
بسبب غيابِ الجوادِ فُقِد الفارسُ،
إِذ اِختطفهُ العدوُّ وذبَحهُ،
كلّ ذلك بسبَبِ غياب مسمارٍ حَدْوة الجَواد.
-ريتشارد بور-
هذا المقطع المقتبس من أغنية أطفال مشهورة يُوضّح أنّ فقدان المسمارِ كان سببَ مقتل الفارس في المعركة، إنّه مثالٌ بسيطٌ ومفزعٌ في الوقت نفسه، إذ أنّ أمرًا صغيرًا جدًا أدّى إلى وفاة الفارس.
في مثال آخر، تخيّل وجودَ عالمين متطابقين تمامًا لكن في الأول يُوجد فراشةٌ والثاني لا، ونتيجةً لهذا الفارق الضئيل سرعان ما يبدأ العالمان في الاختلاف الكبير أحدهما عن الآخَر. هذا أكثرُ مثالٍ يُضربُ به لنظريّة الفوضى، أو كما أصبحت تسمى “أثر الفراشة” The butterfly effect.
وفق قوانين نيوتن، يتحدَّد مستقبل النظام الشمسي تمامًا من خلال حالته الراهنة، ووفق بْيِيرْ لاَبْلَاسْ العالَم الذي تُحدِّد حالتُه الراهنة مستقبلَه تحديدًا تامًّا يكون عالمًا حتميًّا، حيث قام لابلاس عام 1820م بوضع نموذج بات يُعرف الآن باسم «شيطان لابلاس»، حيث منح شيطانَه ثلاث خواص؛ ألا وهي:القدرة على التقاط صورةٍ كاملة، المعرفة الدقيقة التامة بقوانين الطبيعة وكذلك قدرات حسابية لا نهائية سريعةٍ للحالة الدقيقة للكون. غير أن العلم حاليا بين أن ذلك صعب التطبيق تفاديا لكلمة مستحيل، وسنوضح كيف أنّه تمّ إسقاط خواص شيطان لابلاس.
الفوضى بمفهومها البسيط تعني أن للأمور البسيطة تأثيرات عظيمة، فكلّ تفاصيل الكون مرتبطة وتؤثر على بعضها، وهذا ما يجعل الكونَ صعبَ التنبؤِ. بمعنى آخر غير مستقر.
يقول «ألان بور» حول فوضى الطقس: “إنّ مجرد تحريك أيدينا فقط سيؤثِّر على المناخ في جميع أنحاء الكوكب. يمكن لعلماء الرياضيات حل ذلك بسهولة بحساب تطور خفقة اليد وانتشار رقعة تأثيرها على المناخ للأبد، هذا رائع ولكن مستحيل، لأننا تجاهلنا ما إذا كنا نريد تحريك أيدينا أم لا، فالإرادة الحرة هي أهم سبب للفوضى التي تجعل العالم غير مستقر”.
تصوَّرْ وجود كيان ذكيّ يعرف جميعَ قوانين الطبيعة بدقة، فلا يستطيع هذا الكيان حتى إذا كان كبيرًا بما يكفي لإخضاع جميع هذه البيانات لتحليل حسابي دقيق، أي تحديدَ الحالة الراهنة للنظام؛ ومنه سيظل الحاضر غير يقينيٍّ في نظر هذا الكيان، ولا يستطيع أيضا توقُّعَ المستقبل على نحو دقيق، إذ لا ينطوي على أي مفاجآت حقيقية له؛ وسيرى ما يمكن وما لا يمكن أن يحدث، وسيكون على علم باحتمالية وقوع أي حدث مستقبلي. هذا بالتحديد ما يحدث في عالمنا، أي أننا نستطيع التنبؤ بعدة روايات للمستقبل، لكن لا نستطيع تحديد أي واحدة ستحدث بسبب فوضى الكون.
إنّ نظرية الفوضى مهمّة لأنها تُمكِّننا من رؤية العالم من منظور كل علم وكل سبب يؤثر في هذا الكون، فهل ما نفعله هو مجرد صياغة لغة رياضية تفسر هذا العالم؟ هل نخاطر بخسارة اقتصادية وعلميّة من خلال المبالغة في تفسيرهذا النموذج متناسين أنّه غير كامل؟ هل نرصدُ فقط الصورة الكبيرة دون المشاركة في اللّعبة؟ أم أننا نتلاعب بتلك الأشياء التي نستطيع تغييرها، مُقرِّين بمخاطر عدم كفاية النموذج، وربما أيضًا بمناحي قصورنا، نظرًا لوجودنا داخل النظام؟
المصدر: كتابة مقدمة قصيرة عن نظرية الفوضى للدكتور «ليونارد سميث_ Leonard Smith»
تدقيق لغوي: زهير خساني
تصميم: رامي نزلي