تعتبر المعلومات ظاهرة فيزيائية أيضا و مثال ذلك: حرارة الكمبيوتر، أين تستهلك الطاقة في عملية معالجة وتخزين البيانات ، ولهذا السبب بدأت مراكز المعلومات بإثارة مشكلات بيئية خطيرة..
شيطان ماكسويل:
تدرس الديناميكا الحرارية تحويل الطاقة من نوع إلى آخر، والاتجاه الذي تتدفق فيه، ومدى توفر الطاقة للقيام بمهام معينة، و يعتبر هذا المجال العلمي من المجالات التي أسهمت بشكل كبير في الثورة الصناعية..
وتتمتع الديناميكا الحرارية بعلاقة مزدوجة مع آلية المعلومات، فمن جهة ترجمة البيانات تعتبر هذه الأخيرة عملية فيزيائية حتمية أي تستند إلى عمليات تحويل الطاقة وتخضع لقوانين الديناميكا الحرارية، مثلا: وميض الضوء الأحمر للبطارية يعتبر معلومة فيزيائية على شكل طاقة كهربائية. ومن جهة أخرى فإن تحسين آلية عمليات الديناميكا الحرارية يؤدي إلى تحسين فعالية ترجمة البيانات إلى معلومات، على سبيل المثال: عند انتهاء بطارية السيارة يظهر الضوء الأحمر، لكن كان بالإمكان توفير الكثير من الطاقة إذا تم منع عملية الديناميكا الحرارية التي أدت إلى نفاذ البطارية عن طريق إشارة مسموعة، إذن تعتبر الديناميكا الحرارية والمعلومات حليفتان يستخدمان الطاقة على النحو الأكثر فعالية، لكن تضع الديناميكا الحرارية قيدين لتحسين العمليات الفيزيائية معلوماتيا.
أولا: يتعلق القانون الأول للديناميكا الحرارية بحفظ الطاقة، الذي ينص على أنّ إجمالي كم الطاقة في أي نظام منعزل يظل ثابتا، أي أن الطاقة قابلة للتحويل لكنها لا تفنى و لا تخلق من العدم، و بناءا عليه مهما كانت فعالية تعاملنا مع المعلومات لا يمكن ابتكار أي آلة تستمر في الحركة إلى مالا نهاية دون الحاجة الى طاقة، لكن التحدي هنا يتمثل في استخدام المعلومات بطريقة أكثر فعالية مقابل استخدام طاقة أقل.
ثانيا: هناك اعتراضات وتحديات لهذه الآلة دائمة الحركة، إذ يجعل القانون الثاني من الديناميكا الحرارية وجود مثل هذه الماكينات دائمة الحركة مستحيل فيزيائيا، حيث وفق القانون الثاني ينحو إجمالي العشوائية «الإنتروبي» لأي نظام ديناميكي حراري منعزل الى الزيادة بمرور الوقت، حتى يصل إلى الذروة . مثلا لا تستطيع الحرارة من تلقاء نفسها التدفُّق من جسم أبرد إلى آخر أكثر سخونة؛ إذ إنها ستكون حينئذٍ عملية معكوسة تشبه ملاحظة كوب من الماء الدافئ بداخله بعض الثلج فيتجمد تلقائيٍّا، بدلًا من ملاحظة ذوبان الثلج ببطء، لكن يبقى السؤال المطروح هل يمكن للمرء تصوُّر آلية ممكنة منطقيٍّا يمكن من خلالها هزيمة الإنتروبي على الأقل نظريٍّا، إن لم يكن من الناحية العملية؟
وهنا يأتي دور شيطان ماكسويل
وضع جيمس كلارك ماكسويل تجربة عقلية، دعانا فيها إلى تصور السيناريو التالي: يتم تقسيم حاوية، تمتلئ ببعض الغاز إلى جزأين: أ و ب، بين هاذين الجزأين يوجد ثقب صغير للغاية، وكائن -صار يُعرف لاحقًا باسم شيطان ماكسويل- يستطيع فتح أو غلق هذا الجزء من خلال باب سري، يراقب الشيطان الجزيئات تتقافز بسرعات مختلفة، عندما تقترب الجزيئات من الباب السري، يفتح الشيطان الباب ليسمح بمرور الجزيئات التي تتحرك بسرعات أكثر من المتوسط من أ إلى ب، وبمرور الجزيئات التي تتحرك بسرعات أقل من المتوسط بالمرور من ب إلى أ. في النهاية، يصنف الشيطان جميع الجزيئات إلى جزيئات أبطأ (أ) وجزيئات أسرع (ب)، وهو ما يمثِّل استثناءً للقانون الثاني إذ انخفضت عملية الاختلاط دون تزويد النظام بأي قدر من الطاقة..
سرعان ما أدُرِكَ أن شيطان ماكسويل ما هو إلا جهاز معلومات، يراقب ويحسب مسارات الجزيئات، فإذا كان الأمر ممكنًا نظريٍّا، فسنكون بذلك قد تمكنَّا من تحديد طريقة ممكنة منطقيٍّا لاستخدام المعلومات للتغلُّب على الإنتروبي الفيزيائي..
المعلومات الكمية:
يتم تشفير البيانات الثنائية وتخزينها ومعالجتها من خلال السماح لكل وحدة بيانات بأن تكون في حالة واحدة محددة تمامًا، فالعملات تمثِّل نموذجًا نيوتِنيٍّا كلاسيكيٍّا، تكون فيه وحدة البيانات التقليدية إما 0 أو 1 ، إما تعمل أو لا تعمل، إما صورة أو كتابة، في المقابل، تمتلك الحالات الكمية للجزيئات الذرية طبيعة خاصة، حيث يمكن استخدام الجزيئات الذرية لتخزين البيانات في صورة محددة لكنها حالة من التراكب الكمي غير المحدد من حالتين في الوقت نفسه، مجازيا تعتبر صورة «ماوريتس كورنيليس» أحسن مثال على ذلك، حيث يستطيع المشاهد رؤية بصفة تبادلية لا آنية وجه لامرأة عجوز ووجه امرأة شابة، تعرف نتيجة تراكب الحالات هذه باسم «وحدة البت الكمي »أو الكيوبت، تمثل وحدة الكيوبت حالة الصفر وحالة الواحد «انيا»، تعتبر هذه الحالة الفيزيائية من تراكب الحالات عادية في الطبيعة ولكنها منافية لمنطقنا بقوة، إذ من الصعوبة فهم كيف قد تكوَّن الكيوبت في حالتين متعارضتين في الوقت نفسه.
اذا تم اختراع كمبيوتر كمي فسيكون في غاية القوة. هَبْ أن الكمبيوتر البسيط لدينا يعمل باستخدام ثلاث عملات فقط، كل عملة قد تمثل قيمة 0 أو 1، وهناك إجمالي ثماني توفيقات ممكن، بعبارة أخرى: 23 إذ تمثل 2 عدد الحالات عدد العملات هو 3، وهو ما يُعرف باسم سجل وحدات البيانات الثلاث، يستطيع الكمبيوتر التقليدي باستخدام سجل وحدات البيانات الثلاث العملَ تتابعيٍّا على واحد من ثماني حالات ممكنة في المرة الواحدة، ومن ثَمَّ يحتاج الكمبيوتر التقليدي إلى 8 عمليات لإعداد كل حالة من حالات السجل الثماني، خُذْ مثالًا الآن جهاز كمبيوتر كمي لحساب نفس العملية، يستطيع الكمبيوتر الكمي تنفيذ 8 عمليات آنيٍّا، حيث يكتشف جميع الحلول الممكنة للمشكلة في خطوة واحدة، وكلما كان السجل أكبر، صار الكمبيوتر الكمي أكثر قوة بكثير، وبذلك يستطيع الكمبيوتر الكمي الذي يشتمل على سجل من 64 كيوبت للتغلب في أدائه على أي شبكة من أجهزة الكمبيوتر الفائقة. في الحقيقة حاليا توجد صعوبات لا يمكن تخطيها لتركيب كمبيوتر كمي، بالإضافة إلى فإن الحدود الحاسوبية للكمبيوتر الكمي والكمبيوتر التقليدي تتساوى حيث يعطيان في الأخير نفس النتيجة، لكن الوقت أقل فقط باستخدام الكم.
الواقع من وحدة البيانات::
وضحنا من قبل أن البيانات قد تكون حالة غياب انتظام، أي لا تتطلب البيانات تمثيلا ماديا لها، في فيزياء نظم المعلومات هناك مبدأ يؤيد استحالة وجود معلومات غير مادية، إلا أن هذا المبدأ في حد ذاته لا يحدد ما إذا كان تحقُّق الحالات الرقمية أو التناظرية يتطلب بالضرورة تمثيلا ماديا.
ينقسم علماء الفيزياء إلى فرقتين، فالأولى تؤيد فكرة أن الكون مادي، أما الثانية ترفع شعار أن وحدة المعلومات هي وحدة بناء الكون، بينما الأشياء المادية هي التجسيد الثانوي المعقد لها، حيث تدعو هذه الميتافيزيقيا المعلوماتية إلى رؤية مغايرة للعالم المادي باعتباره كمبيوتر رقمي عملاق، ومن أهم أسباب رفض الفكرة الأخيرة هو أن النماذج المقترحة في الفيزياء الرقمية لا يمكن التوفيق بينها وبين فهمنا الحالي للكون، فخلال القرن العشرين انتقل العلم من الاعتماد على الضرورة والقوانين، إلى الاعتماد على الاحتمالية للظواهر الكمية.
حاليا تتمثل الرؤية الأكثر قبولا في الفيزياء أن الجزيئات تتصرف على نحو غير حتمي وتتبع مبدأ عدم اليقين.
تدقيق لغوي: بولحية يحيى
تدقيق لغوي: Hiba djehiche
المصدر: كتاب المعلومات للبروفيسور والباحث في فلسفة المعلومات «لوتشيانو فلوريدي» – Luciano Floridi